كانون الأوّل/ديسمبر 2021
تسرّ ورشة المعارف إعادة إطلاق مشروع التاريخ الشفوي: مشروع الحكايا والتاريخ الشفوي (ما كان يُعرف سابقًا بـ “مشروع الحكواتيات”)، وندعوكن لزيارة أرشيفنا واكتشاف القصص التي يحملها.
يستمر “مشروع الحكايا والتاريخ الشفوي” في استكشاف تواريخ النساء وقصصهن، وبناء أرشيف نسوي. فبعد أشهر من العمل على تحسين وإعادة تنظيم عمليات وأدوات التوثيق والأرشفة لدينا، نعيد إطلاق المشروع باسم جديد وبقصص قديمة وأخرى نشاركها لأول مرّة، مع إدراك متجدّد لأهمية مشروع كهذا وما يقوده من قيم نسوية وممارسات تقوم على النهج وسيرورة العملية، لا على المنتج النهائي. كما يسمح بالتناقضات والتعدّدية التي تتحدّى التصورات المُسبقة والسرديات المبسّطة.
في ورشة المعارف، لجأنا إلى التاريخ الشفوي لأننا- كنسويات- شعرنا بالعزلة عن تاريخنا النسوي وعن التواريخ والأحداث والأشخاص التي تساهم في تشكيلنا. هذا هو الخيط الذي نحبك به معظم أعمالنا. ما زال هناك الكثير والكثير من القصص لنسمعها، عن الأرض والأمكنة والمساحات التي نتواجد فيها أو نعبر بها، والنساء اللواتي نعيش معهن وحولهن، والأشخاص الذين تمّ استبعادهن ومحاصرتهن في سرديات محرّفة. ما زالت قصص النساء من مختلف الأعمار والمجتمعات تتعرّض للتشويه والتهميش والتفتيت والتقلّص في قوالب مبسّطة، وما زلنا نعمل على إدخال تجارب وسرديات النساء والأشخاص الترانس وغير المعياريات/ين جندريًا في مجموعاتنا وفي ذاكرتنا الجماعية.
يتمركز “مشروع الحكايا والتاريخ الشفوي” حول التوثيق والأرشفة، ونقدّر فيه العملية الدقيقة التي تتطلّبها الأرشفة والتي نعمل دومًا على صقلها—وهي عمليّة شديدة الانتباه لكل تفاصيل المقابلة، يعتمد عليها استمرارية الأرشيف وقابليته للإستعمال والإستفادة منه. وهي أيضًا عملية تنبض بالحياة، تعيش وتتنفس من خلال شوقنا للبحث عن والاستماع إلى الحكايا، ومشاركتها بطرق قديمة وجديدة.
الاستماع يكمن في قلب التاريخ الشفوي: أن نعطي الشخص الوقت والمساحة لسماع قصتها وأن نجلس معها لنسأل باهتمام عن حياتها وتجاربها. الاستماع بالنسبة إلينا هو ممارسة نسوية أساسيّة، من خلاله نتعلّم المزيد عن أنفسنا وعن بعضنا البعض، ونعطي مساحةً للقصة لتتكوّن وتأخذ مجراها دون ضبطها بإلقاء الأحكام، ولتكون لها حياة أخرى بعد أن نسمعها؛ وبما أنّ هدفنا هو إبراز وإنتاج القصص والمعارف وخلق فرص ومساحات مؤاتية لمشاركة قصصنا، فنحن نسعى إلى تعزيز علاقتنا مع الإصغاء بكل حواسنا، وأن تصبح ممارسة منتشرة. لكنّ التاريخ الشفوي يتطلب أيضًا كرمًا وشجاعةً من الراوية التي تعطي وقتها لتشارك قصتها وذكرياتها وتأملاتها. يتحدّى التاريخ الشفوي السرديات التي تقوم على الإنجازات الفرديّة الكبيرة، أو التي تسجن النساء في دور الضحية، لتذكرنا دومًا بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة والمتداخلة مع السياق التي تكوّن قصصنا.
* * *
التاريخ الشفوي هو عملية مستمرّة، إذ يوجد دائمًا المزيد من الأصوات ووجهات النظر والقصص لاستكشافها بشكل أعمق وأوسع في ذاكرتنا الفردية والجماعية؛ وحتى مع أي قصّة فرديّة، فنحن دائمًا نعيد صياغة قصص حياتنا وتشكيل ذكرياتنا.
وما يجعل من التاريخ الشفوي عمليةً حيّةً ومتواصلةً هي أيضًا الأسئلة الأخلاقية والسياسية والشخصية التي تظهر في كل مرحلة؛ قد نكون توصلنا كنسويات (على الأقل في الوقت الحالي) إلى بعض الإجابات على بعض هذه الأسئلة (مثلًا، عن عدم حذف قصص غير مريحة لنا، أو عن أهمية الرجوع إلى الراوية لقرارات معيّنة حول نشر قصتها). لكن في الكثير من الحالات، نجد أنفسنا نتساءل، نتناقش باستمرار ونعيد النظر، ونصل إلى أسئلة مفتوحة.
* * *
يذكّرنا العمل على مشروع التاريخ الشفوي خلال الأزمات المتلاحقة التي عشناها، منذ بدء هذا المشروع، أنّ تاريخنا وقصصنا ليست أحداثًا عبرت وانقضت، بل جغرافيا باطنيّة نستمد منها الموارد والأدوات والمزيد من القصص لإعادة تشكيلها واستخدامها؛ في أوقات الوباء وعدم القدرة على التنقل، كانت لدى بعضنا فرص لطرح أسئلة على أشخاص من حولنا— ونحن بالفعل نستجلي في هذه الفترة التاريخ الشفوي مع أفراد ومجموعات “منّا وفينا” وما يتضمنه هذا التاريخ من تحديات ومن إشباع لعطش قديم.
وأحيانًا، نذهب إلى هذه القصص والتواريخ لطمأنة أنفسنا بأننا كنّا هنا من قبل، وأننا نجونا، وسنفعل ذلك مرةً أخرى.
بالتالي، من خلال التاريخ الشفوي، نحن نتأكد أن مستقبلنا سيكون مليئًا بالقصص التي تعكس تعدداتنا وتعقيداتها وترابطنا. نصرّ بعناد أن تحفل ذكرياتنا بالصور والحكايات، وبأن تكون لنا خيارات متعدّدة من الأماكن والأشخاص نذهب إليها لنحكي ونستمع ونتعلم سويًا، حيث تكون القصص قادرةً على أن تحمل كل هذا الحطام وهذه المعجزات التي هي حيواتنا وكل ما مررنا ونمرّ به.
* * *
عندما غيّرنا اسم المشروع من “مشروع الحكواتيات” إلى “مشروع الحكايا والتاريخ الشفوي”، كان للتعبير عن تركيزنا على فعل السرد وعلى القصص، وعلى ما نخلقه من مساحة وتواصل حميم كلّما جلسنا لنسمع ولنوثّق حكايا وتجارب النساء. لكنّنا أيضًا أردنا منح أنفسنا فرص أكثر للعب وتجربة طرق متعدّدة للتوثيق والتفاعل مع هذه القصص. لذلك، انتقلنا من التفريغ الدقيق للمقابلات إلى الفهرسة، من نشر مقابلات التاريخ الشفوي كاملةً كمواد خام إلى تجربة طرق مختلفة لمشاركة أجزاء من القصص في قوالب فنيّة وتحليلية. كما صرنا نستعمل التاريخ الشفوي في منشوراتنا (فكتاب “تسعينيات نسوية” مثلًا يتضمن التاريخ الشفوي لنساء تستذكر التسعينيات). وتبقى المقابلات الكاملة، الحديثة والقديمة، في أرشيفنا، حيث يمكن الوصول إليها من خلال زيارة مكتبنا في فرن الشباك. يتوفر كذلك عدد من المقابلات عبر صفحة ساوند كلاود خاصتنا، بالإضافة إلى موقعنا الالكتروني.
ما يحتويه أرشيف ورشة المعارف هو التاريخ الشفوي للنساء، بما في ذلك النساء الترانس وغير المعياريات، غالبًا لأنهن ناشطات في المجال العام – بالمعنى الواسع لكلمة “عام”: تجدن في أرشيفنا مقابلات مع نسويات ومدافعات عن البيئة، مع كاتبات وفنانات وناشطات، مع أن المقابلات نفسها لا تتمحور فقط حول المجال العام. ولكن منذ عام 2020، بدأنا بتوثيق تجارب النساء مع ومن مجالات أكثر تعدّدًا، ولسن دائمًا فاعلات في المجالات العامة، فكان التاريخ الشفوي يسبر في علاقتهن مع المنزل والبيئة الطبيعية والبحر والعائلة والأصدقاء… وما زلنا ملتزمات بتوثيق حياة النساء من أجيال متعددة وخبرات وأماكن إقامة في جميع أنحاء لبنان. بالرغم من أن أرشيفنا يحتوي عادة قصص نساء مقيمات في لبنان، فقد كنا محظوظات في السنوات الماضية بتوثيق القليل من القصص الشفوية مع نسويات من العراق ونيبال وغيرهما من الأماكن حين كنّ يزرن لبنان، ونود القيام بالمزيد من هذه اللقاءات والمقابلات في السنوات القادمة لما تعلمنا عن نسويات والنسوية من العالم.
في الأيام والأسابيع القادمة، سوف ننشر عدد من المقابلات من الأرشيف التي لم نصدرها في الأعوام الماضية، بالإضافة الى تأملات والى تأويلات بصريّة لعملنا، بينما نتحضّر لمشاركة قصص جديدة بقوالب مختلفة. ونشكر هنا كل من شاركت في هذا المشروع منذ انطلاقه: باحثات ومحررات صوت وقائمات على التفريغ وفنانات، وبالطبع الراويات.
ما تحضّر له “ورشة المعارف” حاليًا هو المزيد من النمو، وخلق فرص مميّزة للتعريف بالتاريخ الشفوي النسوي والأرشفة والاحتمالات الإبداعية المختلفة للعمل مع هذا التاريخ والأرشيف. وندعو الفنانات والباحثات والمنظمات للاستفادة من هذه القصص، كما نأمل أن يجد جميع من يزور الأرشيف طرقًا لاستخدام هذه الموارد، ولكن أيضًا لإيقاظ فضولكن للبحث عن قصص ونساء تتقن لسماع المزيد عنها.