في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، قمنا في ورشة المعارف بتنظيم ورشة عمل أسميناها “منا وفينا: ممارسة التأريخ الشفوي النسوي مع مجموعاتنا وعائلاتنا”. خلال هذه الورشة، قمنا بإستكشاف كيف يمكننا إستخدام التاريخ الشفوي كأداة (لحفظ/للمحافظة على/للحفاظ على) ولتوثيق قصص حياة الأشخاص المقربين منا، تلك المجموعات ننتمي إليها: مجموعات النساء والأشخاص غير المطابقين الذين يسبقوننا جيلاً، ومن يحيطون بنا كعائلاتنا البيولوجية أو التي إخترناها، أو من نشارك معهم نفس المساحات كأصدقائنا ورفاقنا وجيراننا وزملائنا وتربطنا بهم علاقات حتى (أكثر/أعمق/أوسع) من ذلك. قدمت جلسات ورشة العمل منهجية التاريخ الشفوي، وكذلك العناصر (الفنية/التقنية) الأساسية للتسجيل الصوتي وتحرير مقابلات التاريخ الشفوي. خصصنا أيضًا وقتًا لمناقشة حول أخلاقيات التاريخ الشفوي، لا سيما فيما يتعلق بكوننا نقابل أشخاص تربطنا علاقات شخصية بهم ونحن نشكل جزء من قصصهم، وقد فكرنا في الخصوصيات الذي يجب أن (نهتم بها/نعيرها إهتمامنا/ننتبه لها) أثناء تسجيل قصص أحد المقربين منا. مع وضع ذلك في صلب “منا وفينا”، أطّر المشاركون مشاريعهم العائلية والمجتمعية، وقمنا بالتفكير بها سويًا على مدار الأيام الثلاثة.
قد جائت الفكرة وراء “منا وفينا” (نتيجة ل/حصيلة) عملنا البحثي والأرشيفي، ولكن أيضًا مبادئنا الشخصية والسياسية، حيث نشعر بمدى قيمة مشاريع الأرشيف العائلي التي صادفناها، مع الاعتراف أيضًا بنقص هذه الأنواع من المشاريع -لا سيما باللغة العربية- حيث يوجد الكثير من الاحتمالات للإستكشاف. كفريق ورشة المعارف، قد فكرنا في أو نفذنا أو سمعنا أصدقاءنا وأقاربنا (يريدون/يرغبون ب) الخوض في قصص الأسرة والمجتمع والحركة التي ينتمون إليها. خلال هذا العام، عملنا أيضًا مع باحثة على أرشفة قصص عائلتها، حيث قابلت الجيل الأكبر من النساء في عائلتها للحفاظ على معرفة الأجداد بالحياة الاجتماعية والعائلية في قراهن، وطرق شفائهن من المصاعب الشخصية والسياسية التي عاشوها. كنا نأمل أنه من خلال تنظيم “منا وفينا” كورشة عمل، يمكننا إنشاء مساحة للناس للتفكير بشكل أكثر عمقًا بمن حولها، من الناحية المفاهيمية والعملية على حد سواء -من خلال التعرف على منهجية وإمكانيات التاريخ الشفوي ومن خلال توفير الوقت التفكير والتخطيط، بشكل فردي وجماعي.
خلال مختلف المراحل من هذه الورشة، بدءً من عملية التقديم، مرورًا بورشة العمل، وإنتهاءً بجلسات المتابعة مع المشاركين، إتضحت الرغبة المتزايدة في هذه المحادثات والأرشيفات وجميع المعارف التي تحملها. في الوقت نفسه، كان هناك قدر من عدم وجود المعلومات الكافية حول كيفية التعامل مع التاريخ الشفوي للأسرة والمجتمع؛ كانت العديد من الأفكار الأولية المقترحة عبارة عن مشاريع حافظت على مسافة ما بين الشخص والقصص التي فكروا في توثيقها. خلال ورشة العمل، تحدينا هذه المسافة وطلبنا من المشاركين أن ينظروا حولهم وداخل المساحات التي يشغلونها وينتمون إليها بطريقة أقرب. كان هناك شعور بعدم الارتياح لهذا الأمر: (الانزعاج من/الخوف من) ظهور بعض المواضيع القاسية والأحاديث الصعبة، وإثارة الذكريات التي قد يحملها تاريخ الأسرة والمجتمع، ولكن ارتياحًا في تخيل مساحة يمكن التعامل معها والتحدث عنها والشفاء منها. أعطى المشاركون الوقت والمساحة لبعضهم البعض لإختبار كل هذه المشاعر والأفكار، بطرق منفتحة ومع تقديم الدعم والرعاية لبعضهن البعض.
بالطبع كان يوجد أيضًا مشاعر حماسية حول التفكير في الذكريات الجميلة التي سيتم اكتشافها، والتي تشمل التجارب اليومية التي غالبًا ما يتم اعتبارها أمرًا مفروغًا منه وتعتبر “غير مهمة”. كان هناك فهم جماعي في ورشة العمل بأن هذه هي التفاصيل التي لا نريد أن نفقدها. وفي سبيل الحفاظ عليها، نحن نبذل قصارى جهدنا لإظهار قيمة للحياة التي عاشها الأشخاص والقرارات التي اتخذوها، ولإعطاء مساحة لهم لمشاركة قصصهم وأفكارهم/آرائهم دون إصدار الأحكام. إن هذه القصص مهمة في فهم تعقيدات بعضنا البعض -وقد يكون لذلك صدى بشكل خاص في رواية القصص العائلية، حيث قد يكون هناك أيضًا التحدي المتمثل في التعرف على الراوية بعيدًا عن علاقتها بنا (الأم، الجدة، الأخت، العمة)، والإعتراف بأدوارها المختلفة بعيدًا عن نظرتنا عنها المحدودة بالعلاقة التي تجمعنا، وتقييم كل هذه الأدوار الأخرى التي قد لا نعرفها، التي تشكل أجزاء مهمة من تلك الأشخاص وتجعلنا نعيد التعرف عليهم وتقديرهم بشكل أكمل.
من خلال القيام بهذه المقابلات الشفوية، ننتج أيضًا وفرة من المعرفة، على النطاقين الضيق والواسع. نتعلم (قصص المنشأ/تاريخ) ممارسات التقاليد المحلية، وكيف أصبحنا جزءًا لا يتجزأ من العالم من حولنا وساهمنا بتشكيله أيضًا. أكثر من ذلك، عندما نتعمق في حياة من حولنا -أولئك الذين ربونا، وبقوا قربنا، و(تمردوا/ثاروا) معنا، وجعلونا نشعر بأننا ننتمي- يمكننا أن نتعلم الكثير عن أنفسنا وتاريخنا الشخصي، ومواقعنا ومن أين نأتي: جغرافيًا، واجتماعيًا، وثقافيا؛ (من نحن في/موقعنا داخل) علاقاتنا ببعضنا البعض ومحيطنا؛ من أين نأتي بأنماط تفكيرنا وشخصياتنا ورغباتنا؛ كيف وصلنا إلى هنا في سياستنا والمبادئ التي نتمسك بها.
من هنا تظهر لنا العديد من الموضوعات العاطفية العميقة في المحادثات حول وممارسة التاريخ الشفوي داخل الأسرة والمجتمع. يتضمن ذلك اكتشاف تشابكاتنا وتموقعنا بين الأجيال، وإيجاد طرق للشفاء من الآلام التاريخية والحاضرة -سواء كانت واضحة في حياتنا، أو بقيت دون معالجة. إلى جانب اكتشاف الذكريات، يشمل ذلك أيضًا تكوين الذكريات الجماعية من خلال عملية التاريخ الشفوي نفسها، حيث نتحدث إلى المقربين منا وندعو (لمحادثات/لسرديات) جديدة. يمكننا أن نفكر في العلاقات التي نفككها وتلك التي نبنيها كقصص تتفتح: علاقات حيوية يتم إصلاحها وحفظها وتقويتها. يمكننا أن ندرك كيف أن النسب ليس فقط تسلسي، ولا شيئًا بيولوجيًا فحسب، بل أيضًا شيئًا يعيش من خلال شبكاتنا الاجتماعية وشبكات بين الأجيال.
هذه موضوعات غالبًا ما نحملها بداخلنا، ونتوق لمعرفة المزيد عن تلك المعلومات التي (نتجسّد منها/تجسّدنا). هي أيضًا المعلومات التي تتعرض إلى التصميت أو التسكيت -بسبب (المحرمات الاجتماعية/التابوهات)، أو الزوايا المؤلمة منها التي يصعب مواجهتها، أو ببساطة بسبب نقص الوقت أو الطاقة في واقع ويوميات سريعة وفوضوية وثقيلة. ولكن بشكل أكثر إلحاحًا، نرغب بإستكشافها بسبب عدم وجود مساحات للنساء والأشخاص الترانس وغير المطابقين، وخاصة الكبار بالسن، حيث يمكنهم ويمكنهن رفع أصواتهن/م ومشاركة تجاربهن/م، وأن تكون مسموعة ومقدّرة. التاريخ الشفوي و”منا وفينا”، إحدى المحاولات لتحدي هذه الظاهرة (واحدة من العديد التي يجب أن نعمل على بقائها وتطويرها بشكل جماعي)، ودعوة للناس لاكتساب الأدوات العملية، حيث يوجد مساحة تأملية تسمح بالتخطيط لمثل هذه المشاريع، فيها يمكننا التوغل بسهولة في المحادثات الصعبة، وإظهار رغبتنا بمعرفة ما (يهم/يشغل) من حولنا، واستكشاف الذات والآخرين، و إيجاد الأدوات لتشجيع التعبير دون (حدود هذا الصمت/أن يحدّنا أي صمت يفرض علينا بمحاولات مستمرة وطرق عديدة خارج هذه المساحات).
الموضوعات التي ناقشناها هي تلك التي أصبحت محسوسة بعمق عندما نبدأ في استكشاف عائلاتنا ومجتمعاتنا حيث تكون روابطنا العاطفية والاجتماعية قوية وصلبة. مع ذلك، فهي موجودة أيضًا في التاريخ الشفوي على نطاق أوسع. لقد إتضح لنا هذا في العديد من المشاريع التي أنجزناها نحن وباحثات التاريخ الشفوي النسوي، الغير مؤطّرة مع أفراد أسرنا أو مجتمعاتنا. لا مفر من الاعتراف بدور عائلات النساء والأشخاص الترانس ومجتمعاتهم والسياقات العديدة التي يتواجدون فيها، سواء كانوا حاضنين لهن/لهم أو مقاومين. إن إدراك هذا يعني أيضًا إدراك أن التاريخ الشفوي ليس مجرد نمط من البحث الكلاسيكي القائم على المقابلة، وأن مفهوم البحث في مجموعات ننتمي إليها أو نحن منا وفيها وهي “منا وفينا” ليس مفهوم “دخيل” أو جديد على التاريخ الشفوي. إنه في حد ذاته ممارسة تهدف إلى (حفظ/الحفاظ على) وتوثيق رواية القصص، بحيث يمكن للجميع، مع إتاحة الأدوات والموارد، استكشافها (داخل/عبر) العديد من المساحات والعلاقات والحدود.
بالإضافة إلى جمال توثيق المعرفة والحفاظ عليها من خلال أرشفتها، لدى للتاريخ الشفوي أيضًا إمكانات هائلة للمساهمة في صنع الفنون، (العلم/المعرفة)، الأبحاث، وأشكال أخرى للإنتاجات الثقافية والمعرفية. مع وضع ذلك في الاعتبار، ندعوكن/م دائمًا للمشاركة في ورش العمل الخاصة بنا، والتي نهدف من خلالها إلى إتاحة موارد التاريخ الشفوي وتسهيل الوصول إليها، وتطوير معرفتنا الجماعية عنها من خلال العمل على مشاريع مختلفة تتعلق بالتاريخ الشفوي. نخطط أن تكون “منا وفينا” ورشة عمل أساسية من “ورشة المعارف”، نكررها عامًا بعد عام، ونأمل دائمًا أن يكون ما نطرحه، سواء في ورش العمل هذه أو في أرشيفنا، عبارة عن مساحات يمكن للأشخاص اللجوء إليها للتعلم عن ولممارسة التاريخ الشفوي.