menu

مقدمة في رفقة الفقدان: التاريخ الشفوي والإرث النسوي

الموت والإرث النسوي في سنوات الانهيار – ديمة قائدبيه
يعيش العمل النسوي في دنيا التغيير: نسعى إلى تغيير السياسات والممارسات والمواقف والأنظمة؛ نضغط من أجل تحقيق العدالة للضحايا والناجيات من أشكال العنف المتشابكة؛ نحاول دومًا تخيّل إمكانيات جديدة لتجسيد حيوات يمكننا فيها التمتّع بالأمان والقوة والمتعة في مختلف الأجساد والسياقات التاريخية والهويات التي نعيشها؛ نكافح لتأمين وصول مجتمعاتنا إلى الموارد؛ نعيد كتابة التاريخ حتى نتمكّن من العودة إلى الوجود في تلك السرديات آنذاك، الآن، وإلى الأبد. نفتح المجال لإعادة تشكيل الكلمات والمساحات لجعلها أكثر ترحيبًا بنا وبمن نحن عليه؛ نشرّع معنى “نحن” ومن تشمل.[1]

لكننا دائمًا متجذرات في شيء ثابت، عالمي. الموت والتغيير. التأقلم والمقاومة.

ماذا يعني أن ندرك وأن نتذكّر مرارًا وتكرارًا أنَّ الجانبَين الأكثر ثباتًا في حياتنا هما الموت والتغيير؟

ما الذي يتغير فينا وفي عملنا عندما يكون تركيزنا على البقاء؟ هو همٌّ للبعض أكثر من غيره، بالتأكيد. ومع ذلك، أصبح البقاء والخسارة واقعًا جماعيًّا، لا سيما في بلد ينهار أكثر كل يوم، وفي منطقة تمزقها وتفككها الاحتلالات والأنظمة الديكتاتورية المتجذّرة والحروب، وفي كوكب يحرقه الاستغلال البشري ويعزله رعب الناس من بعضهم ومن ضعفهم.

ماذا يبقى منّا حين نرحل، عالمات أننا سنرحل؟ ما الذي في قدرتنا، وبالتالي مسؤوليتنا، لتشكيله؟ وأين نسلّم ونتخلّى عن تحكّمنا بما سيحصل: إن كانت قصصنا وأعمالنا ستُذكر، فكيف سيستعملها الآخرون والأخريات وماذا سيكون تأثيرها في العالم؟

ماذا سنفعل بشكل مختلف مع هذا الإدراك بأننا سنموت ونتغير ونتفكك؟ لا مفر من الخوف والألم، ولكن هناك حياة لنعيشها لا تقوم على “الطحش” الهجومي أو التهرّب المسترضي. هناك دور لنؤدّيه، من يستطيع منّا، ومن منّا كانت هنا ورأت هذه التغييرات السابقة، في مشاركة ما نحمله في تاريخنا، ولإفساح المجال للمستقبل الذي يمكننا تشكيله.

وهنا يدخل الإرث إلى المحادثة.

∗∗∗

استراتيجية الإرث
الإرث ليس ترفًا، لإعادة صياغة كلمات أودري لورد[2] بل يتعلق باتخاذ قرارات استراتيجية حول ما نريد إنشاءه ونقله، وحول القصص والأدوات والروابط والعلاقات مع الناس والبيئة.

كل شيء يمكن أن يتغير وسوف يتغير،[3] وستُسمع قصصنا بشكل مختلف. ولكن عند التفكير في الإرث، من المرجح أن تصبح الصعوبات التي نمرّ بها، والمشاريع التي نطورها، والعلاقات التي نستثمر فيها، دروسًا لأوقات أخرى. يمكن أن تذكرنا دومًا بأننا لا نبدأ من جديد في كل مرة، رغم أنه سيكون هناك المزيد دائمًا للقيام به والمزيد من القضايا الجديدة والمستمرة.

بعبارة أخرى، لا يتعلّق الإرث بالأيقونات، وهو ليس مجرد هدف فردي. إنه عمل التذكّر والبحث عن القصص، والقدرة على حفظها وبناء الروابط التي تفتح مساحة لها، وإيجاد سبل لإعادة تشكيلها وتقديمها. الإرث هو الرابط بين الأجيال. إنه العمل البطيء لبناء علاقات عبر الزمن والسياسة والخبرة. الإرث يساعدنا على الشفاء من الجروح التي نتوارثها عبر الأجيال—فهذه إرثنا أيضًا— ويحثّنا على مواصلة تشكيل حبنا وحياتنا بطريقة أفضل قليلاً من تلك التي شكّلتنا بها هذه الجروح.

وهنا المفارقة: نحن نتوارث الجروح لكن هذا الإرث يحمل خبرات في التعافي وإشارات نحو المخارج من دوامات العنف والكره.

الإرث يساعدنا على تهدئة الرهبة والرعب من الموت والخسارة والحداد حتى قبل رحيل أحبائنا. الإرث هو التاريخ، نعيد كتابته ونتذكّره ويتذكر مجموعاتنا وحيواتنا المختلفة. هو تسليح المخاوف واستعمالها لمصلحتنا: الخوف من الموت ومن الشيخوخة، ومن كيفيّة معاملة الكبار في السن، وكيفيّة النّسيان بهذه السرعة، والخوف من المستقبل القاتم، وإضفاء معنى على كل ما نمرّ به. هل يمكن للإرث أن ينقذ الكويريات والكويريين اللواتي/الّذين ليس لديهنّ/هم عائلة ولا دعم اجتماعي مع تقدمهنَّ/هم في السن؟ هل يمكن للإرث أن يعيد توجيهنا إلى السير نحو المزيد من الانهيار والاقتتال الداخلي والاضطرار إلى البدء من جديد وإعادة تجميع أشلاء حياتنا وآمالنا كل فترة؟ هل يمكن للإرث أن يشفي شيئًا فينا؟

∗∗∗

لماذا نادين جوني وإيتل عدنان؟
هذه هي التأملات التي دفعت هذا الكتاب إلى حيّز الوجود: الموت والخسارة، وما نتركه وراءنا والذي يمكن أن يكون مفيدًا؛ أهمية التوثيق والأرشفة؛ البحث عن إرث النسويات والناشطات لنفهم بشكل أوضح ما تركنه لنا وكيف نستعمله اليوم، وتوسيع ما تعنيه التواريخ والقصص النسوية: من يكتبها ومن يستمع إليها وما الشكل الذي تتّخذه.

هذه الإصدارة هي محاولتنا لسرد قصص متجذرة في ما هو ثابت: في الخسارة والموت والتغيير، وفي أعمال التذكّر والبقاء من خلال القصص. الفصول القادمة هي مساعٍ للتعامل مع الخسارة، ومع من وما تبقَّى: الأصدقاء، والعائلات، والأحبّاء، والمجتمعات التي ينتمون إليها والذكريات. هي قصص وأعمال. وبالتالي ما ستقرأنه/أونه في الصفحات القادمة هو عن امرأتين والأوقات التي عاشتا فيها، ولكنه أيضًا عن هذه اللحظة التي نبحث ونتذكّر ونكتب فيها.

لماذا نادين جوني وإيتل عدنان، الشّخصيّتان الأساسيّتان في هذا الكتاب؟

هناك سببان أتناولهما هنا (وأسباب أخرى تتوضّح في الجزءَين التاليين من هذه المقدمة): السبب الأول كان سياقيًّا و’مصادفة’، وهو يعكس الموضوع الذي نعمل عليه، إذ أدّى الموت دوره في توجيهنا نحو من نتذكّر حين بدأنا في تصوّر هذا الكتاب. والسبب الثاني هو توسيع المواقع التي تغذّي كتاباتنا للتاريخ النسوي، لتشمل أكثر من مسار واحد تشغله شخصيات معينة.

بدأنا العمل على هذا الكتاب في أوائل العام ٢٠٢٢، مع نيّة في استكشاف الإرث والأرشيف النسوي وممارسة عملية تذكّر النسويات اللواتي خسرناهنَّ في السنوات الماضية. في البداية، كنّا نفكر في شخصيات نسوية مختلفة من اللواتي عشنَ فترات تاريخية مختلفة في لبنان. ولأنَّ حياة نادين جوني وموتها تركا تأثيرهما على جميع العاملات في ورشة المعارف وعلى أصدقائنا وأقراننا، شعرنا بقوّة بأننا نريد أن نتذكّرها في هذا الكتاب. لقد كانت طريقتنا أن نتمعّن في الوسائل التي نسجت من خلالها نادين علاقات بين المجموعات والقضايا المختلفة. ولحسن حظنا، أبدت الباحثة فاطمة فؤاد الحماسة نفسها للغوص في إرث نادين.

فكّرنا في أسماء أخرى في ما بيننا وكنّا نعرضها على الباحثات اللواتي نقابلهنَّ، أسماء نسويات مثل وداد شختورة وأنيسة نجار وغيرهما.

كانت إيتل عدنان اقتراح الباحثة نارود سروجيان. وكانت فكرة مثيرة وغير متوقعة. لماذا أقول إنّها غير متوقعة؟

منذ عدة سنوات، عندما علمت بوفاة الكاتبة المصرية رضوى عاشور، شعرت بالرغبة -كما الكثيرات منّا- في شراء جميع رواياتها وكتبها وقراءتها. في إحدى مكتبات شارع الحمرا، قال لي الرجل ذو الشعر الأبيض الذي كان يجلس بين كتبه: “صرنا منتمنّى الكتّاب يموتوا لحتّى الناس تفوق تشتري كتبهم”.

هل كانت إيتل عدنان ستحضر في ذهن نارود بهذا الشكل الملموس لو أنها لم تمت منذ أشهر قليلة قبيل لقائنا معها؟ هل كنا، كفريق التحرير في ورشة المعارف، سنندفع بهذا الاهتمام في التركيز على شخصية لم تكن ناشطة مرتبطة بشكل مباشر و”على الأرض” بالحركات والنضالات السياسية في لبنان؟ لا أعلم. لكن الموت (ووسائل الإعلام) يعيدان إحياء رغبتنا في معرفة شخص لم يعد معنا، واكتشافه. كما أننا نعرف أنَّ من زمن ليس بعيدًا، لو أردنا البحث عن أي أثر للوجود الكويري، وبشكل خاص لوجود المثليات اللواتي لا يعشن في العار أو الحاجة إلى التبرير أو الدفاع عن علاقاتهنَّ، لوجدنا إيتل.

ثانيًا، في معظم مشاريعنا، نتعمّد أن نوسّع في بحثنا عن الأمكنة والأزمنة التي نفتّش فيها عن النسوية، وننوّع المواقع التي تغذّيها وتساهم في تشكيلها. نبحث عن الأوردة، الكبيرة والصغيرة، التي تضخ الحياة والإلهام في هذا الكائن الحي الذي هو النسوية. وكثيرًا ما اعترفت النسويات بالجدّات، والمتمردات، والفنانات، والمعلمات، والعاملات في المصانع، والساحرات، والمثليات كجزء من الطرق التي يسرنَ فيها الآن.

في العام ٢٠٢١، نشرنا كتاب “تسعينيات نسوية”، وهو كتاب عن لبنان في التسعينيات من منظور نسوي، وثّقنا فيه الحركة النسوية والتغييرات التي كانت تمر بها خلال ذلك العقد.[4]

حين نقرأ في “تسعينيات نسوية” ما تشرحه النسويات اللواتي نشطن خلال تلك الفترة، يتضح أنَّ العديد منهنَّ يتذكرن مسارين متباينين ​​سلكتهما النسويات في التسعينيات: أحدهما وصفنه بأنه يفتح المجال أمام سبل جديدة للحديث عن العنف ليشمل نساء من فئات اجتماعية مختلفة ويرفض أحادية التجارب والهويات النسائية؛ وآخر وصفنه بأنه أكثر تحفّظًا، لا يواجه السلطة ولا يكسر معظم القوالب الاجتماعية التي تضبط حيوات النساء وعملهنَّ. المسار الأول، كما تذكرته النسويات في التسعينيات، هو ما أوصلنا إلى الحركة النسوية التي نراها اليوم: ربما لم يحملن القضايا ذاتها وماطلن و/أو لم يتمكنَّ من خوض مواجهات حول الجنسانية والعنصرية، فتركن تلك المعارك لجيلنا (وبعضهنَّ يقف معنا اليوم في هذه القضايا)، لكن بالنسبة إليهنَّ، فقد أعطى المسار الذي سلكنه مساحة لحركتنا الشابة لتقوم في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

في السنوات الأولى من هذا القرن، في بداية تعرّفي إلى الحركة النسائية، لم نفرّق بين هذين المسارين لأننا لم نكن نعرف النسويات اللواتي سبقننا. فشرعنا في بناء مساحاتنا وعلاقاتنا ولغتنا الخاصة، وأعلنّا رفضنا لما هو قائم من مؤسسات ذات هياكل جامدة، وشكّكنا أيضًا في أساليبها التي ترتكز على تغيير القوانين، ولذلك تأسر نفسها في سردية ضيقة يقبلها الرجال في الحكم وفي المحاكم.

اليوم، ترى النسويات اللواتي عشن الحركة النسوية في التسعينيات أنفسهنَّ كسابقاتنا وأسلافنا. وأوافقهنَّ. ولكنني أرى أنَّ هذا حصل بعدما مسكنا بحاضرنا وما يمثله، وبعدما قبلننا وقبلن حاضرنا وموقعنا فيه. في البداية، لم يرين فينا ورثة لعملهنَّ ونضالهنَّ، ولم نعدّهنَّ كبارنا أو معلماتنا. لكن مع الوقت، بدأنا بالتعرّف إلى بعضنا وأصبحنا نرى بعضنا. هكذا نركّب التاريخ، من خلال هذه التفاعلات وعبر تشويه الجداول الزمنية المستقيمة: نحن خلفاء لأننا نعترف بأسلافنا. نفتح طرقًا لتاريخنا بقدر ما تفتح مَن سبقننا الطريق أمامنا.

وفي كتاب تسعينيات نسوية، كانت إيتل حاضرة كذلك مع حبّها للبحر ولزميلاتها الفنانات والكاتبات. خلال التسعينيات، عادت الحركة الفنية لتزدهر في بيروت. وأقيمت أنشطة سياسية خارج بيروت. ظهرت مبادرات وإن كانت غير مُمأسسة أو غير موثّقة. ومثلما تذكرنا إيتل بالبحر وحب النساء والكتابة والفن كجزء من الإرث النسوي، تذكرنا نادين جوني في هذا الكتاب بألّا نعلق في هياكل شديدة الصلابة، وبأن نعيد الاحتجاج إلى أبواب المؤسسات الدينية.

∗∗∗

ولكن الأمر لا يتعلق فقط بنادين وإيتل
اخترنا أن نتذكر النساء والنسويات والفنانات والناشطات اللواتي لم يعدن معنا، ولكن أيضًا قصص اللواتي/الّذين بقين/بقوا، من أفراد عائلاتهنَّ، وأصدقائهنَّ وصديقاتهنَّ، وزميلاتهنَّ في العمل، والأشخاص، والمساحات التي تأثرت بهنَّ/م. وكما تشرح تالة في القسم التالي من هذه المقدّمة، تواكب هذه العملية مجموعة من التحديات.

من التحديات التي رأينا فاطمة ونارود تواجهانها وتتخطيانها هو التركيز على الغياب والحضور في آن، وكيفية التحدث عن نادين وإيتل من دون التحدث عن نادين وإيتل فحسب. أصبحت هاتان الشخصيتان قنوات لمزيد من القصص عن أولئك اللواتي ما زلن هنا، يعشن حياتهنَّ، يحملن ذكرياتهنَّ وخساراتهنَّ في مدينة منهوكة وفي زمن شاق. وقد شاركت الباحثتان كذلك، كل منهما على طريقتها، جزءًا من قصتها من خلال ما كتبتاه.

استطاعت نارود سروجيان وفاطمة فؤاد الجلوس مع الشخص أمامهما، وعلى الرغم من حجم الخسائر المتعددة، استمعتا إلى ألم اللواتي بقين وهنَّ يتذكرن إحدى الشخصيات الرئيسة في هذا الكتاب.

في وقتنا الراهن، أرى كيف نلتفت إلى الإنتاج الثقافي وإلى فكرة شبكات الدعم المتبادلة والحملات والأنشطة غير الممأسسة. تذكرنا إيتل ونادين بأنَّ هذه المسارات والأدوات لطالما كانت موجودة.

في فترات معينة، قد يكون الإنتاج الأدبي هو ما حافظ على أصوات نسوية في العقود السابقة، سواء عرّفت الكاتبات بأنفسهنَّ كنسويات أم لا: ليلى بعلبكي، غادة السمان، إميلي نصرالله، إيتل عدنان، حنان الشيخ. عملهنَّ ليس النشاط والخطاب النسوي كما نعرفه، ولا ينبغي أن يكون كذلك. ولكن في هذه الأعمال الأدبية نوع من التفكير في حيوات النساء وقضاياهنّ والتوثيق لتجاربهنّ في سياقين زمني ومناطقي معيّنين من تاريخ لبنان. أنا أعرف هذه الكتابات والروايات أكثر ممّا أعرفه عن التنظيم النسوي في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.

لطالما كان الفن والأعمال الثقافية في صدارة المعارضة وفي تصوّر التغيير. يمكننا القول إنَّ عندما يتراجع النشاط السياسي أو حين لا يتخذ شكلًا واضحًا ولا ينخرط في مواجهة مباشرة، تستعمل النساء والنسويات أدوات أخرى مثل التوثيق والفن. تصبح المشاركة الثقافية طريقة للاحتجاج وللتفكير في رؤية بديلة أو ممارستها.

∗∗∗

لكن الموت ليس كامل القصة
إنَّ الموت، بالطبع، هو جزء من حلقة مع الحياة، يسبقها ويخلفها. نحزن ونرثي ونمارس طقوس الحداد، لكننا أيضًا نفرح، ونعود إلى الحياة، نجتمع مرّة أخرى في مناسبات عديدة، نتغيّر.

ما الّذي يتغير حين نتذكّر أننا كلنا سنموت، وأنَّ المستقبل غير مؤكد؟ نوثّق. نؤرشف. نؤسّس. نلد أطفالًا ونخلق إنتاجات ومشاريع تحلم بأن تهز شيئًا في هذا العالم. نبني أواصر التضامن حتى لا نُقتل بهذه السهولة. نعيش ونحن نقدّر كل يوم. ندفع إلى التّغيير حيث نستطيع: التغيير مؤكد، الموت حق طبيعي، لكن بعض طرائق الموت ليس طبيعيًّا أو مقبولًا. نعيد بناء ذاكرتنا. نحكي قصصنا.

من نتذكّر ومن ننسى؟ هذه هي أسئلة الأرشيف، وهي أسئلة تطرحها النسويات أيضًا. ما هي الذاكرة النسوية ومن تشمل؟ جزء كبير من عمل ورشة المعارف هو زحزحة المركزية في هذه الذاكرة بينما نقوم ببنائها. ويبرع التاريخ الشفوي والسرد القصصي في هذا المجال، إذ يستطيعان تذكّر الآن والماضي معًا، والنظر إلى الذكريات اليومية الحميميَّة والسياق الأوسع، ثم صياغتها وتحويلها إلى أدوات خلاقة لمجتمعاتنا وحركاتنا.

الإرث والتاريخ الشفوي— تالة حسن
ما يميّز التاريخ الشفوي، من جملة أمور، هو أنه مشروعٌ للحفظ[5] ولبناء الأرشيفات التي تؤرّخ وتحتفي بذاكرة وإرث نرسّخ أنفسنا فيهما، من أجل البقاء وضمان استمرارنا. هو أيضًا مشروع دائم التكوّن وإعادة التشكيل.

أرشيفات التاريخ الشفوي هي كوكبات واسعة من المعرفة، تُنتج ويُعاد إنتاجها من خلال عملية السرد، وفي كل مرة يستمع إليها شخص ما. في سرد قصة، وفي الاستماع إليها، وفي توثيقها، تقطع القصة شوطًا في ضمان استمراريتها، وتكون -في أحسن الأحوال- محمية من الزوال من خلال توثيقها وعبر الفضول الذي تخلقه لمواصلة الاستماع والمعرفة.

وبالتالي ليس الأرشيف ثابتًا؛ فهو يوثّق قصصًا من مرحلة معيّنة من الزمن، في لحظة محدّدة، لكنّه لا يجمّدها لا هنا ولا هناك. ويهدف إلى التنقّل عبر عدد من علاقات تشكّل جوهره، عبر الأجيال والمجتمعات والحدود.

يحمل هذا الكتاب الفقدان والإرث كموضوعَين أساسيَّين يستكشفهما من خلال التاريخ الشفوي. في خضم الأزمات السياسية والاقتصادية والوجودية التي نواجهها يوميًّا، نجد أنفسنا ملتزمات أكثر من أي وقت مضى بمشروع ورشة المعارف لسرد القصص والتاريخ الشفوي. نعتمد العمل مع التاريخ الشفوي وتوسيع حدوده كمنهجية وأداة نسويّتَين، بينما نُدفع باستمرار نحو ظروف قاسية جديدة يجب أن نتعامل معها، معًا.

في إعداد هذا المشروع، أجرت الباحثتان نارود سروجيان وفاطمة فؤاد عددًا من مقابلات التاريخ الشفوي حول إيتل عدنان ونادين جوني. أجرت نارود مقابلات مع: نوال، صديقة إيتل؛ تانيا حجّي توما مهنّا، ناشرة إيتل باللغة الفرنسية وصديقتها؛ أليس مغبغب، زميلة ومتعاونة فنية تستضيف أعمال إيتل الفنية في معارضها؛ سارة مراد، كاتبة وأستاذة في الدراسات النسوية والجندرية والكويرية والإعلام، لم تلتقِ بإيتل بشكل شخصي ولكنها متأثرة بها؛ و(ر)، فنانة نسوية التقت إيتل ذات مرة واستلهمت منها. كما تحدثت نارود مع نديم، وهو باحث في منظمة فنيّة نسوية في بيروت، وقد شارك فِكره عن إيتل كفنانة وكشخصية كويرية. أمَّا فصلا الكتاب اللذان يتمحوران حول نادين جوني، الأول بقلم فاطمة والثاني بقلم صفاء من فريق التحرير، فهُما يبنيان على المقابلات التي أجرتها فاطمة مع أقارب الناشطة الراحلة وصديقاتها. قابلت فاطمة: نهاية القواسمي، وهي صديقة مقرّبة لنادين وزميلتها في القضايا النسوية؛ ندى جوني، شقيقة نادين، والتي تخوض معركة حضانة ابن نادين إلى جانب بقية أفراد عائلتها؛ بادية فحص، واحدة من معارف نادين، والتي خاضت معركتها الخاصة لحضانة ابنيها؛ وكذلك صفا أبو دياب وسارة فرحات -وهما صديقتان مقربتان لنادين.

اتخذ المشروعان معانيَ متعددة. أُجريا أوّلًا للتعرّف إلى نادين وإيتل من قرب. إحدى أولى المقاربات التي ناقشناها مع الباحثتَين هي ألّا نمجّد هاتين المرأتَين ونجمّدهما في قوالب رومنسية تبسّط إنسانيتهما. أردنا أن نفهم من كثب المكانة التي تحتلّها كلّ منهما في حياة وذكريات من حولهما، خلال حياتهما وبعد مماتهما. كما شكّلت المقابلات وسيلة للتعرف بشكل متعمق إلى الراويات أنفسهنَّ، أي الأشخاص اللواتي أُجريت المقابلات معهنَّ، النساء اللواتي نرغب أيضًا في توثيق حيواتهنّ وأصواتهنّ وخبراتهنّ. وأخيرًا، إنّ مشروع البحث هذا يخرج من الباحثات، ويعطي مساحة لأصواتهنَّ، والسِّيَر التي حملْنها في أثناء إجرائهنّ هذه المقابلات. وتضع الفصول التي ستقرأنها/أونها في هذا الكتاب تجارب نادين وإيتل وإرثهما في السياقات التي نعيشها.

من خلال هذه المنهجية، نصل إلى رؤية توسّع فكرة “السياق”. نحن لا نعيش فقط في سياق ما، ولكننا نجسّد أيضًا سياقًا لمن حولنا، خصوصًا إذا كانت الشخصية لها مكانة معينة كسلطة اجتماعية في دائرتها، أو ناشطة في المجال العام، أو تمت أيقنتها في نطاق ما.

هذا المشروع غنيّ بالإمكانيات، لكنه لا يخلو من التحديات التقنية والأخلاقية والمفاهيمية. في هذا القسم، سوف نقارب منهجية التاريخ الشفوي: ماذا يعني لنا، وكيف نتعامل معه ونرعاه ونتحداه.

∗∗∗

“تاريخ التاريخ الشفوي” باختصار[6]
أصبح التاريخ الشفوي شكلًا من أشكال البحث والتوثيق في منتصف القرن العشرين، مع تطور أجهزة التسجيل،[7] في سعي متزايد إلى فهم الأحداث التاريخية من خلال دمج المعرفة الموجودة في الوثائق المكتوبة مع التجربة المكتسبة في الروايات الشفوية. وقد رأى بعض المؤرخين الشفويين أنَّ هذا النوع من البحث الذي يقوم على سرد القصص له أسس في مجتمعات السكان الأصليين المختلفة التي تتناقل التاريخ والمعارف شفهيًّا.[8] لكن إمكانيات التاريخ الشفوي كأداة اجتماعية وسياسية أخذت في الظهور والتحقّق مع الحركات المدنية الأمريكية منذ منتصف القرن العشرين عندما بدأت المجتمعات المضطهدة المختلفة،[9] لا سيَّما المجتمعات السوداء والنساء والنسويات والمثليات/يّون[10] في التعبئة السياسية بصوت عالٍ. وأصبحت أهمية تجاربهنَّ التي تُوثَّق وتُشارَك، خاصة لمواجهة الإسكات والمحو والتهميش التي واجهتها هذه المجموعات (وما زالت)، واضحة بشكل متزايد. من هنا، اعتمد/ت المؤرخات/ون والباحثات/ون والناشطات/ون على التاريخ الشفوي مع الأشخاص “العاديين” بدلًا من “الرجال العظماء”، فأعطين/وا قيمة “للحياة اليومية” وشدّدن/وا على استثنائية التجارب “العادية” وأهمّيّتها.[11] وفي ورشة المعارف، نعتمد تقنيات ومنهجيات من إرث الناشطات والباحثات، أيضًا نسأل ونفكّك ونجرّب، وهذه هي المقاربة للإرث التي نريدها.

∗∗∗

التاريخ الشفوي كمنهجية
إنّ التعمّد في وضع التاريخ الشفوي في السياقات الاجتماعية والسياسية يوسّع من إمكاناته؛ فبالإضافة إلى كونه منهجية بحث تستخدم توثيق تجارب معينة لتحدّي المعرفة والخطاب المهيمنين، فقد تحول التاريخ الشفوي أيضًا إلى منهجية مدركة لذاتها، وأصبح مساحة قيّمة للحفظ، لا تحتاج إلى إثبات نفسها أو إلى تبرير الأصوات التي تحملها؛ فالأرشيفات الشفوية، سواء كانت أرشيفات خاصة أم عامة، يُنظر إليها الآن وتستخدم بشكل متزايد كوثائق تاريخية وكشكل من أشكال الفنون. وفي المنطقة ذات الأغلبية العربية، تستخدم النسويات والناشطات أيضًا التاريخ الشفوي كإحدى أدواتهنّ الأساسية للمقاومة وللتفاعل السياسي والاجتماعي.[12]

فاستخدام منهجية التاريخ الشفوي يمكن أن يؤدّي إلى زعزعة الوضع المعرفي الراهن، وإلى تحدي الأنماط المعيارية لإنتاج المعرفة التي تستمر في إعادة إنتاج هذا الوضع الراهن.[13] عبر نبش القصص التي تخبرنا عن العوالم التي يعيشها الناس ويخلقونها، تعتمد ممارسة التاريخ الشفوي بشكل كبير على الاستماع والسعي إلى فهم واقع معين، بدلًا من السعي إلى تأكيد هذا الواقع كحقيقة.

باعتبارنا أشخاصًا يحبّون القصص ويؤمنون بأهمية الأصوات الفردية والمجتمعية، أشخاصًا يعرفون قيمة الاستماع إلى الروايات الشخصية ونقلها، من السهل أن تسحرنا الحميميّة والحياة اللّتَين نعثر عليهما في التاريخ الشفوي. ومن السهل التعامل معه برومانسية كمساحة لرواية التاريخ بشكل مختلف، وسرده بصدق وبحساسية، لإلقاء الضوء على ما يجب ألّا يظل غير مروي. وبينما نعتقد كمؤرخات شفويات نسويات أنَّ هذا صحيح وضروري، نتذكر أيضًا أنَّ المعلومات الموثقة ليست حقيقة مطلقة، عندما نعتمد هذا التّاريخ كمنهجيّة للبحث؛ فقصة واحدة أو طريقة واحدة لسرد قصة مهمة، لن تكون كافية، فهناك دائمًا قصص ووجهات نظر أخرى، حتى عند الراوية نفسها. ويمكن للقصة أن تكون مزدحمة بالتناقضات، وتتضمّن دائمًا آراء شخصية، فتعكس موقف الشخص الذي يرويها واللحظة التي تروى فيها.

بعبارة أخرى، يتطلب التاريخ الشفوي انفتاحًا على مراجعة الذات والنقد باستمرار. يمكن إساءة استخدام وتفسير أي منهجية والمعلومات التي تجمعُها؛ تمامًا كما علّمنا التفكير النقدي النسوي أن نشكّك في الموضوعية والحيادية المزعومة لأساليب البحث السائدة، ولكن أيضًا استخدام التحليل التقويمي والنقدي والبحث الأدبي، و/أو تكملة القصص الشخصية بالمعرفة التي تنبع من منهجيات أخرى.

∗∗∗

النظرة الداخلية
اهتمَّ مشروع ورشة المعارف للتاريخ الشفوي دائمًا بموقف الباحثة التي تجري المقابلات، وبالعلاقة بين الباحثة والراوية في تشكيل الحكايات التي تُروى. في العام 2021، شرعت ورشة المعارف في تعميق عملها في التاريخ الشفوي وإمكاناته الحميميّة، من خلال التركيز أكثر على التاريخ الشفوي مع أفراد من العائلات والمجتمعات والمجموعات ذاتها. أطلقنا على هذا المشروع اسم “منّا وفينا”.[14] وما يميّزه هو التحدي الذي يحمله الشخص في كشف قصص من يتشارك معهنَّ/م العلاقات والمساحات وتوثيقها.

يمكن أن يؤدي تطوير مسارات وأرشيفات “منّا وفينا” إلى تغيير سبل معرفتنا عن تاريخنا الشخصي والجماعي، فهي قصص قد تُسمع أحيانًا للمرة الأولى، عندما نعبّر لمن حولنا عن رغبة والتزام بسماع أصواتهنّ/م وتجاربهنّ/م. نستكشف في هذا العمل العلاقات والقصص التي ترسخنا في عائلاتنا ومجتمعاتنا، وكيف يشكّل الأفراد بحد ذاتهم أطرًا لحياتنا الخاصة. ضمن مقاربة “منّا وفينا”، رصدنا مجموعة مختلفة من الأسئلة المنهجية والأخلاقية، لا سيما حول حساسية العملية، والأخلاق ومسألة “ملكية” القصة، ومكاننا الخاص في الذكريات الجماعية التي تتمّ مشاركتها، وتحديد سياق حياتنا في حياة المقربات/ين لنا.

ومع تراكم تجاربنا، نجد أنفسنا اليوم نطرح أسئلة مماثلة بينما ننتقل بالمشروع إلى مكان شكّل موضوع تساؤل آخر لنا، ألا وهو إجراء سرد تاريخي شفوي عن حياة أشخاص قد رحلوا/نَ وإرثهم/هنَّ؛ أشخاص كانوا/كُنَّ (وما زالوا/زلنَ) جزءًا من صنع التاريخ النسوي في لبنان، على المستويين الشخصي والعام؛ أشخاص يعلّموننا السياق ويشكّلون جزءًا من سياقاتنا؛ أشخاص هم أيضًا إلى حد ما “منّا وفينا”، في مجال إنتاج المعرفة النسوية وتوثيق التاريخ والإرث النسويَّين. نسعى إلى لمّ الشمل والاعتراف بالتاريخ والإرث المتواصلين للعوالم النسوية التي ننخرط فيها، والتي تتغيّر وتغيرنا ونغيرها. ماتت نادين وماتت إيتل، لكننا كثيرًا ما نسمع: هما لا تزالان معنا. أين ومع من وكيف؟ كما توضح لنا فاطمة ونارود في مقابلتهما، نجدهما في العمل المادي والعوالم التي تركتاها خلفهما، وأيضًا أبعد من ذلك، في الذاكرة والخيال. نجدهما في انطباعاتنا عن الماضي، حيث تشكّل إرثهما النسوي، في الفن والفعاليات، وفي السياسة والكويرية والأمومة، ونجدهما في المستقبل النسوي الذي نسعى جاهدات إلى رؤيته، حيث تشكّل نضالاتهما وأصواتهما صدى وأرضية لنا.

∗∗∗

مرافقة الفقدان
بالنسبة إلى فريق التحرير، المتأثر بالعديد من السرديات والإرث النسوي المتباين، يمكن لمقاربة تعتمد على التاريخ الشفوي أن تعلمنا شيئًا عن كيفيّة التذكُّر والاحتفاء والاعتماد على من رحلن. البناء على تاريخ من سبقننا وإرثهنَّ ليس أمرًا سهلًا، خاصة أننا في خضم تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلينا أن نجتاز سياقًا اجتماعيًّا ثقافيًّا يجعل من العمل النسوي البديل والتوثيق وإنتاج المعرفة تحدّيًا مستمرًّا ضد التيار.

تقدم لنا الروايات الشفوية التي أجريت مع كلّ من المقربات أو المتأثرات بنادين وإيتل رؤية متعمقة في هذه القضايا، مخزنة في انطباعاتهنّ وذكرياتهنّ وارتباطاتهنّ مع كل منهما. تخبرنا الراويات عن حياة المرأتين الشابة والعائلية، وشخصيّاتهما وتحركاتهما، ومعتقداتهما ومعاركهما السياسية، ووجودهما القوي في المساحات المختلفة، ومدى تأثيرهما والصعوبات التي واجهتهما. كما تُحدّثنا الراويات عن مشاعر الحزن ومعانيه، والفقدان، والتغييرات التي تطرأ بعد وفاة شخص عزيز، وكيف تخدم الذاكرة والإرث مراحل الحداد والشفاء.

ولكن جوهر هذا المشروع يكمن أيضًا في الحفاظ على قصص الراويات أنفسهنَّ. يتفاعل التاريخ الشفوي مع الراوية، ليوثّق انطباعاتها وتجاربها كما اختارت أن تشاركها ويستمد المعرفة منها. عندما اتخذنا قرار المضي في مشروع تاريخ شفوي يتمحور حول شخصية راحلة، كان من الضروري بالنسبة إلينا ألّا تنحصر ساردات القصص في علاقاتهنّ مع هذه الشخصيات أو الخسارة التي عانينها. تحتفظ كل راوية في المقام الأول، وبغض النظر عن موقعها، بتجاربها وذكرياتها في القصص التي ترويها.

وهذه ليست مهمة بسيطة؛ إذ قامت إيتل ونادين، كل منهما على طريقتها الخاصة، بتغيير شيء ما في المجالات الثقافية والسياسية النسوية، وألهمتا الكثيرات ولمستاهنَّ، بمن في ذلك عضوات فريق ورشة المعارف والباحثات اللواتي أجرين المقابلات. ولذلك من المغري بالنسبة إلينا جميعًا الخوض في حياة إيتل ونادين، واكتشاف الشخصي وراء الشخصية العامة من خلال من عرفنْهما جيّدًا. لكن نارود وفاطمة حرصتا على أن تكون النساء اللواتي تحدثن إليهنَّ محور القصة التي يروينها. سردت الراويات ذكرياتهنّ وتجاربهنّ بينما ربطنها بالأسئلة التي طرحتها الباحثات حول إيتل أو نادين، ليصبح الحزن، بدلًا من أن يكون التعبير عنه مجرد إحساس بالعاطفة، عدسة تُسرد من خلالها التجارب. وأضحت ذكرى إيتل أو نادين نقطة انطلاق لسماع وجهة نظر الراويات وعلاقتهنّ بهما، بدلًا من كونها فقط معلومة توصيفية عن الشخصية الراحلة. شبكة القصص هذه هي التي أغنت المقابلات؛ في حين أنَّ كل قصة في حد ذاتها ليست قصة كاملة أبدًا، لأنه يوجد دائمًا المزيد لنقوله، يكمن جمالها في كيفية إفادة بعضها، والتحرك معًا، والأماكن والسياقات الجديدة التي تأخذ المستمع/ة إليها.

من السهل الكتابة برومانسية عن هاتين المرأتين اللتين عاشتا تحت أعين الناس وتركتا خلفهما العديد من الموروثات المادية والذكريات. لكن على الرّغم من تباين نسوية إيتل ونادين بشكل كبير، إلّا أنَّ ما يجمعهما هو رغبتهما في عدم التمسّك بالأيقنة، وإدراكهما الضمني والصريح أنهما جزء لا يتجزأ من الهياكل والأنظمة والمجتمعات التي لا يمكن أن تمحى، حتى عندما يتعلق الأمر بالحزن عليهما. تكتب إيتل: “في صباح اليوم التالي بعد موتي سنجلس في المقاهي، لكنني لن أكون هناك، لن أكون”،[15] في إشارة إلى الوجود والغياب معًا، حيث كلاهما متموقع في سياقاته، وكلاهما ذات قيمة ومغزى.[16]

∗∗∗

أخلاقيات وخواطر
ما هي حدود التاريخ الشفوي؟ وما هي تحديات إجراء التاريخ الشفوي حول شخص بعد موته، والتعامل مع الفقدان من خلال التركيز على حياة من تأثر(ت) بالموت، وحياة من تشبّث(ت) بالموت نفسه وخلق(ت) حقائق ومستقبلًا منه؟ عادة ما يكون التاريخ الشفوي شكلًا من أشكال السيرة الذاتية، حيث يطلب من الناس رواية قصصهنَّ/هم الشخصية، وتوثيق تجارب من الطفولة إلى الحاضر، أو تجارب من حقبة أو حدث أو مكان أو موضوع محدّد. نسأل أنفسنا ما الذي يعنيه إجراء تاريخ شفوي يتمحور حول شخصيات لم تعد معنا، ولكن قصصها ما زالت قائمة وما انفكّت تتكشف في الذاكرة الشخصية والجماعية والمخيلة الجماعية.

كما نطرح على أنفسنا أسئلة حول الأخلاقيات وملكية القصص والموافقة على النشر وحق الرد في مشروع كهذا، كوننا ننشر الكتابات والمقابلات حول شخصية معينة لم تعد معنا. عند قراءة هذا الكتاب، وعبر تحليلاته وملاحظاته والمقاطع من بعض التاريخ الشفوي التي أُجريت لهذه الإصدارة، يأتي عنصران من التاريخ الشفوي النسوي في المقدمة: الاهتمام وعدم الارتياح، وهما ربما موضوعان لا مفر منهما في مشروع عن الموت والحداد. يمكن أن يساعدنا هذان العنصران في التفكير في هذه الأسئلة الأخلاقية؛ قد يريحاننا، أو يتحدياننا أكثر. في كلتا الحالتين، التأمّل في هذين العنصرين مهم وضروري.

التاريخ الشفوي هو مشروع قائم على الاهتمام والعناية: الاهتمام بالقصص وبالشخص، والعناية أيضًا بالعملية وبالحفظ. نهتم بأن نجري كل مقابلة بمراعاة وقصديّة، وبموافقة مستمرة ومشاركة مع الراوية. من ناحية، يدور التاريخ الشفوي حول الحوار: عبر المحادثات التي تنشأ من الأخذ والعطاء بين الباحثة والراوية. من ناحية أخرى، يتعلق الأمر بالاستماع باهتمام: تعطي الباحثة، من خلال أسئلتها ومشاركتها، مساحة للراوية لكي تروي القصص التي تختارها هي نفسها وبوتيرتها الخاصة. في هذه المشاريع، كان على الباحثات أن يتنقلن بين كيفية الاعتناء بالراوية بينما يطلبن منها أيضًا التفكير في شخص آخر، شخص تشعر بخسارته بعمق. والاهتمام يصب كذلك في أهمية الاعتناء بالأرشيف وببقائه من خلال إتاحته بطرائق مختلفة.

التاريخ الشفوي هو كذلك مشروع مزعزع. ويمكن أن يكون في حد ذاته غير مريح في بعض الأوقات. هناك تفكيك مستمر، بشكل متعمد أم لا، وقد يكون أحيانًا صعب الاجتياز. يتطلب التاريخ الشفوي إلقاء نظرة معمقة على حياة شخص ما، ما قد يجعله تجربة غير مريحة. تشارك تارة الراويات شيئًا ما، لكن يطلبن لاحقًا إزالته من المقابلة، في تارة أخرى يسحبن موافقتهنَّ على نشر المقابلة بالكامل. في كثير من الأحيان، تثير المقابلة ذكريات وعواطف مؤلمة، ويصبح ذلك جزءًا من العملية. وفي أحيان أخرى، تحتك الراوية بموضوعٍ صعبٍ أو موجع، بينما أخريات يشاركن شيئًا يقلن إنهنّ لم يفكّرن فيه أو يتحدّثن عنه منذ زمن طويل. كما يزعزع التاريخ الشفوي ما نعتقد أنه “معرفة”؛ إذ يرى أنَّ التجارب الذاتية والشخصية هي أشكال من المعرفة، وأنَّ التفاصيل الدقيقة واليومية هي ذات قيمة، في حين أنّ غالبًا ما يتم تجاهل مثل هذه الروايات باعتبارها حسابات شخصية عرضية لا تستحق التوثيق أو البحث.

مع اهتمامنا بالإرث النسوي، من المزعزع أيضًا إجراء تاريخ شفوي عن شخص ما بعد وفاته. إذ لا يمكنه الاشتباك أو الرد. في أي تاريخ شفوي نجريه، نسعى إلى أن تكون العلاقة مع الراوية في جوهر المشروع، ونشاركها في اتّخاذ القرارات حول قصتها. وبالطبع هذه ممارسة نتّبعها في هذا الكتاب أيضًا، مع الراويات اللواتي تقابلهنَّ الباحثات. لكن عند التفكير في الواجب الأخلاقي تجاه نادين وإيتل، نجد أنفسنا نلجأ إلى مبدأ الاهتمام مرة أخرى. استفسرت الباحثات عن قصص نادين وإيتل ووثّقنها بعناية، من خلال اللغة التي استخدمْنها في أسئلتهنّ أو قراراتهنّ الخاصة حول ما يجب إدراجه أو عدم إدراجه في النصوص النهائية. في لحظات معينة، سألن أيضًا الراويات عمَّا يعتقدن أنه مناسب للنشر، وأخذن موافقتهنَّ كنساء قريبات من كلتا المرأتين. يمكننا أيضًا التفكير في المعاني المختلفة للقصص بعد الموت، حيث قد تسلم من الأحكام والتداعيات، أو تُحتوى على أنها “شيء من الماضي”. نظرًا إلى أنَّ نادين وإيتل كانتا شخصيتين نشطتا في المجال العام، فإننا نفكر أيضًا في مدى اعتيادهما مشاركة قصص شخصية عن حياتهما في عملهما والانطباعات التي تركتاها وراءهما، خصوصًا أنّ كلتا المرأتين كانت مسموعة وغير مستعدّة لتقديم الاعتذارات عن هويّتها وآرائها. أخيرًا، يشدّد هذا المشروع على الاعتراف بأنَّ حياة الأشخاص متشابكة وبأنَّ الإرث متحرك. من خلال عملية التفكير والتعلّم والاهتمام، وصلنا إلى مكان نشعر فيه بالراحة في جمع هذه الحكايات ونشرها، مع بقائنا منفتحات دائمًا على هذا النقاش.

وقد أطلقنا على هذا الكتاب اسم “في رفقة الفقدان” لأنَّ عند الاستماع إلى الروايات الشفوية، يتولّد لدينا شعور بالمرافقة. قد نشعر كأننا نرافق الراوية على مدى القصة، أو ربما نتعلّق بتجارب معينة تربطنا بالقصص. من خلال إجراء مقابلات التاريخ الشفوي مع عدد قليل من النساء اللواتي أحطن بإيتل ونادين، نحن مدعوات إلى مرافقة العديد من الرحلات: قصص عن حياتهما كما اختارت الراويات مشاركتها، وقصص تشابكهنّ معهما ومع الفقدان. هناك غياب وحداد وصعوبة بمواجهة الواقع. ولكن هناك أيضًا تأمل في الوجود والتغيير وما يتبقى أو بالأحرى ما يستمر في الوجود، وما نستطيع البناء عليه، انطلاقًا من قصة كل شخصية. ومع الاختلاف بين الشخصيتين اللّتين يتناولهما هذا الكتاب، نعود ونتذكّر أنَّ ما من أحد يجمعهما بشكل مؤثّر في هذا الوقت الذي ينهار فيه لبنان تحت وطأة الأزمات. هما في عقول العديدات وعلى ألسنتهنَّ، بينما نحاول أن نجد في عملهما وكلماتهما وعوالمهما تاريخًا يمكن أن يحتوينا ويمكننا البناء عليه. من هنا، تشمل الفصول أيضًا تأملات في الفن والسياسة النّسويَّين في يومنا هذا، يمكن فهمها على أنها طقوس حداد والتكيف مع الفقدان، بقدر ما هي متعلّقة بحياة هذه الشخصيات النسوية البارزة. في القسم التالي، ستكتب صفاء عن كيفيّة تطويرنا هذا المشروع في سياقين سياسي واجتماعي متأزّمين في لبنان والمنطقة، دفعانا نحو أسئلة ونقاشات وخيارات أثَّرت على يومياتنا في تطوير هذا الكتاب، وأيضًا على ما احتواه.

مسار العمل: تساؤلات وخيارات – صفاء ط.
أحاول كتابة الجزء الأخير من هذه المقدمة بينما ننهي مسار هذا الكتاب. أنظر إلى الوراء؛ إلى المراحل المتلاحقة للتحضير ويبدو لي أنَّ الكثير من الأحداث والأمور حصل خلال أقل من سنة سواء في إنجاز الكتاب، أم في البلاد، أم في العالم، وقد أثَّرت في تحوُّل مسارنا. أحاول التقاطها وتجميعها وربطها، ويتراءى لي كم أنَّ الموضوع معقد. أعود إلى الملاحظات والتأملات التي سجلتها، وأفكر في أهمية الكتابة والتوثيق في استرجاع لحظات من الماضي، وأيضًا في أهمية أن أراها الآن بعين مختلفة، حتى بعد أشهر قليلة ولكن بعيدة من لحظات الانفعال ومن مباشرة الحدث.

إنَّ خيار إنتاج المعرفة، من خلال نبش قصص الماضي والحاضر قرار واعٍ نأخذه عند كل مشروع، لإدراكنا أهمية هذا النتاج لحاضرنا ومستقبلنا النسويين. نعرف أنَّ نسويات عملن وجاهدن وناضلن في لبنان منذ قرن وأكثر، ولكننا نفتقد لمعرفة قصص الكثيرات وحكاياتهنَّ، كما لتوثيق حقيقي لتاريخ هذا النضال وأحداثه. نحتاج إلى هذه الصلة مع الماضي ومع من رحلن لنتمكن من غرس أنفسنا في تاريخ يشبهنا ويتضمن صراعاتنا، ونستطيع أن نبني عليه ونجادله ونوسعه، ونتعلّم كيف نساند بعضنا مع اختلافاتنا من خلاله. نجد أنفسنا في حاجة ملحّة إلى أن يكون هذا النتاج مكتوبًا وموثَّقًا، وكذلك موجودًا في مساحات وأشكال وتعابير مختلفة، فنية وبحثية وغيرها. تذكر سارة مراد في مقابلتها مع الباحثة نارود سروجيان كم كان مهمًّا لها أن تجد نص المحاضرة التي ألقتها إيتل عدنان منشورًا في كتاب.[17] هذا التوثيق لتاريخنا النسوي، بجميع أشكاله قد لا نشعر بأهميته في لحظتها ولكنه عمل تراكمي أساسي.

ندرك بالمقابل أنه يمكن لهذا الإرث النسوي، كما كل إرث، أن يصبح عائقًا إن حمّلناه كثيرًا. يمكن للتاريخ أن يصبح عائقًا إذا حاولنا إسقاطه على الحاضر أو المستقبل كما إذا قدسناه، أو إذا هربنا منه أو سجنّا أنفسنا فيه. تحمل قصص الماضي النسوي أيضًا الكثير من الآلام والتحديات والأخطاء، التي قد نتجنبها مخافة رؤية انعكاسنا فيها. فيصبح إيجاد المسار دقيقًا بين معرفة الماضي ومحبته والبناء عليه، من دون أن نغرق فيه أو في خوفنا من مواجهته. وذلك ما سعينا إليه في هذا الكتاب.

أستذكر هنا أيضًا عملية إنتاج هذا الكتاب لأنني أؤمن بأنَّ توثيق هذه المسارات هو جزء من تجربة حفظ المعرفة، وهو أيضًا لنتعلم من التجربة كيف ننتج معرفة نسوية ليس فقط في مضمونها بل في مسار إنتاجها. فنحن في صدد إصدار كتابنا الثالث، وقد أصبحنا نعرف أنَّ المسارات الزمنية التي نرسمها في بداية كل مشروع لن تمشي كما هو مخطط لها وأننا سنواجه دائمًا ظروفًا تغير هذه المسارات وتجبرنا على التأقلم معها. مع كل عقبة نواجهها ونضطر إلى اتخاذ قرار قد يؤثر في الأشخاص المشاركات/ين في هذا المشروع، نحاول أن نفكّر في الآتي: كيف نتخذ القرار بطريقة نسوية؟ وكيف نستطيع استكمال العمل ولكن أيضًا الحفاظ على صحة الجميع الجسدية والذهنية؟ متى نتوقف ونستريح، ومتى تكون المثابرة في ظروف متشنجة هي الخيار الأنسب لنا؟ متى نساند بعضنا وكيف نعرف قدراتنا وحدودها في هذه المساندة؟ هي أسئلة تظهر بشكل ما في كل مسار وعند كل تحدٍّ. كانت هذه هي الأسئلة التي واجهتنا خلال أشهر انغماسنا في هذا المشروع، ونعرف أنها مرتبطة بمواضيع هذا الكتاب، من فقدان وإرث وقصص نتناقلها ونبني عليها.

∗∗∗

سياق العمل
في ورشة المعارف مساحة للنقاش والتفكير بصوت عالٍ والنقد ومساءلة الذات لم أجدها في أي مكان آخر. ربما أخرج قليلًا هنا عن موضوع هذا الكتاب ولكنني أشعر بأنني بحاجة إلى كتابة ما سيلي، لأنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعملنا مع موضوع الفقد والإرث والنسوية:

نمرّ في المنطقة وفي لبنان بسنوات قاسية بدأت منذ عقود طويلة واشتدت بعد الثورات والانتفاضات في عدة بلاد ناطقة باللغة العربية. مرّت أسابيع خلال عملنا على هذا الكتاب، بين شهري أيار وحزيران ٢٠٢٢، كانت ثقيلة ومضنية بشكل استثنائي، لأنَّ وتيرة العنف فيها ضد النساء والأشخاص الكوير ارتفعت بشكل كبير، في لبنان كما في المنطقة. كان لذلك تأثيره في كل واحدة في الفريق، ولا بد من أنَّ إنتاجية كل منا اختلفت حينها. جاءت مشاركة فاطمة فؤاد لتجربتها ولما تعرضت له من عنف جنسي (وهي تكتب عنه في ورقتها في هذا الكتاب)، لتضيف ثقلًا أكبر علينا كوننا نعمل معًا. كان ذلك الوقت الذي قررنا فيه التّوقُّف قليلًا لنلتقط أنفاسنا ونقعد معًا، كفريق ورشة المعارف، لنتشارك مشاعرنا وفِكرنا وانفعالاتنا، كما لنفكر في مسؤولياتنا وبما يمكن أن نفعله لأنفسنا ولغيرنا من الأشخاص الكوير بما لدينا من موارد وإن كانت محدودة.

حملنا معنا الكثير من الأسئلة في تلك الجلسة وبعدها وفكرنا فيها خلال الفترة اللاحقة. كانت تلك مرحلة لإعادة التفكير في أدواتنا وفي تداخل دوائر العنف، كما للتفكير في مشروعية الأسئلة عن أدواتنا في المساءلة ومحاولات إيجاد العدالة. وتبقى هذه النقاشات مفتوحة ودائمة لعلّنا نتمكن من توفير أدوات تسمح لنا بالمحاسبة. نعود ربما إلى ما اكتسبناه من تجارب وأجيال سابقة، نلاحظ الأخطاء التي ارتكبناها كنسويات ونحاول أن نأتي بطرائق تعالجها. نتوارث هذه المسؤولية في إيجاد حلول للعنف الذي نتعرض له طالما هذا النظام الأبوي يحكمنا، كما نتوارث معها خوفنا المتراكم من محاسبته لنا على محاولة اكتشاف أو ممارسة أشكال من العدالة بأنفسنا.

ولأنَّ التغير دائم، في أيلول ٢٠٢٢، ونحن في المراحل الأخيرة من عملنا على هذه الإصدارة، اندلعت ثورة النساء في إيران ضد النظام. ككل مرة كنت أترقب بكثير من الحماسة والخوف معًا، نساء يكملن الطريق وينرنها لنا. أجهل اليوم وأنا أكتب إلى أين ستصل هذه الانتفاضة، ولكنني أعرف أنّ قصص هؤلاء النسوة وصوتهنَّ في الشوارع قد غيّرا السردية عنهنَّ وعن النظام الديني الأبوي. لا أستطيع إلَّا أن أفكر في أنَّ هذه الثورة انطلقت بسبب قتل فتاة خالفت قواعد النظام الإيراني للحجاب. خسارة أخرى تلاحقت وراءها خسارات لكثيرات من النساء اللواتي قتلن في الشوارع. ومهما يكن المسار الذي ستأخذه هذه الأحداث، فهل سيكون علينا أن نخسر الكثيرات منا، دائمًا، ونحن نقاوم؟ يتراءى لنا الفقدان طريقًا ستسلكه النساء دائمًا في نضالهنَّ، ولذلك علينا أن نتعلم مرافقته.
تضامنت نسويات في لبنان مع نساء إيران، دعون إلى اعتصام في بيروت في ٥ تشرين الأول ٢٠٢٢ للتعبير عن هذا التضامن. حاول شيخ معارض للنظام الإيراني الانضمام وطردته بعض المشاركات رافضات وجوده. وحصل بعدها نقاش عن جدوى هذا الفعل. ونحن نفهم كيف يتسبب حضور رجل دين بمشاعر من الرفض بسبب آلاف السنين من قمع المنظومة الدينية للنساء والأشخاص غير النمطيين/ات، وهذا الرفض مشروع. ولكن أيضًا هل علينا أن نعيد النظر في مقارباتنا وفي أشكال الرفض والمقاومة التي نريدها، لنخلق عالمًا ألطف من الذي نعيشه والذي يعنفنا كل يوم؟ من هنا، نتعايش مع الـ”لا أعرف”، مع أجوبة غير واضحة ومشاعر متناقضة.

أتذكر نادين جوني. ماذا كانت ستقول وتفعل؟

أيقظ مسار هذا الكتاب وما أحاط به الكثير من الأسئلة بالنسبة إليّ. وإن كنت لسنوات طويلة أحاول النظر إلى ما يحصل معي وحولي بعدسة نسوية. تغيرت الأسئلة والإجابات طوال هذه الفترة وأنا أدرك أنَّ ما قد يحصل بعد أن أنهي هذا النص سينتج أسئلة جديدة عن مواضيع لم نطرحها هنا. ولكن ما نريده هو تواصل هذه المسارات كي لا نعيد طرح الأسئلة نفسها من دون أجوبة، ونراكم دائمًا لإيجاد تأملات وتساؤلات مختلفة؛ لأنَّ في داخل كل قصة قصة أخرى، ولأنَّ الحكايات تتفتح وتتداخل ببعضها لتنتج حكايات جديدة، ولأننا في كل لحظة يمكن أن ننتقل بين أن نكون سلبيات في قصة وصاحبات القرار في قصة أخرى، أصبحت حكاية هذا الكتاب قصة أخرى ترويها كل منا كما عاشتها وتأثرت بها.

∗∗∗

وبين التساؤلات والتأملات نعود للسؤال: لماذا إيتل عدنان ونادين جوني؟
رحلة اختيار الموضوعات والشخصيات كانت مسارًا طويلًا من التفكير الجماعي والنقاشات والاعتراض. كانت وجهتنا رواية جزء من تاريخنا النسوي من خلال قصص التاريخ الشفوي. ولكننا في المرحلة التحضيرية، في بداية العام ٢٠٢٢، لم نكن قد استقررنا بعد؛ هل نكتب عن شخصية؟ عن مرحلة من مراحل الحراك النسوي؟ عن مدينة في لبنان وتاريخ حراكات نسوية فيها؟ جمعنا الكثير من الاقتراحات وفكرنا في الروابط بينها، ما يصل وما يتقاطع وما يختلف. وفي الكتابة عن شخصيات نسوية راحلة، حضر العديد من الأسئلة والتأملات الأخرى في جلساتنا الجماعية للنقاش والتفكير، كما في وعي كل منا.

فملاحقة قصص الراحلات منا تبدو رحلة مطاردة، تستفزّ شيئًا في دواخلنا وفي تفاعلنا ونريد أن نوثّق ما يعرفه بعضنا عنهنَّ وأن نكمل ما لم نعرفه. كيف نملأ تلك الفراغات في تاريخنا وتاريخهنَّ؟

أردنا أن نبيّن أوّلًا بعيون من “عرفنهنَّ”، كيف تقاطعت حيواتهنَّ، وكيف تفاعلت هؤلاء النسوة بقصصهنَّ المختلفة مع بعضهنَّ.

وأردنا أن نراهن أيضًا في سياق الحركة النسوية بمعناها الواسع وبما تحمله من قصص مخبأة ومخفية. نحاول توثيق جزء من تلك الخريطة من خلال ما قمن به.

أردنا أن نبحث في السياق، في الحركات، في الخيارات -الشخصية والجماعية- وحاولنا أن نرى تأثيراتها على الأفراد كما على مسار الحركة النسوية. نبحث أيضًا في “غياب الخيارات” وفي تشكيل ذلك لمسارات حياة الكثيرات منّا. وماذا يعني أن تكون لبعضنا “امتيازات” أكثر من أخريات؟ كيف يصنع ذلك قصصنا وعلاقاتنا ومسارات حيواتنا المختلفة؟ ماذا يفعل بعضنا بامتيازاته المتفاوتة، وهل يمكن لها أن تكون أدوات لنساند بعضنا؟ فنحن لا نختار من أين نأتي ونحمل معنا إرثًا ما، فرديًّا وجماعيًّا. كيف نتفاعل معه لنبني عليه بدلًا من أن ندفن الخسارات المتتالية ونتجاهل تأثيرها في حياتنا؟ لماذا لا نعرف قصص من سبقننا من النساء؟ لماذا لا نعرف ما ناضلن من أجله وما حققنه وما خسرنه قبل أن نفقدهنَّ؟ تلك القصص إرث نفقده كلما بقي في الظلّ محصورًا في دوائر ضيقة تتلاشى هي أيضًا مع مرور الوقت بخسارات أخرى. فلماذا لا نجد سبلنا للبحث عن هذه القصص وحفظها وتناقلها؟ هذا الكتاب هو أحد السبل التي نتبعها لتغيير هذه السردية.

كان الرابط بين قصص هذا الكتاب أوّلًا المنهجية التي أردناها له، والبحث من خلال التاريخ الشفوي، والكتابة من خلال القصص التي ستجمعها الباحثات -وقد استفاضت تالة في الجزء السابق من هذه المقدمة في شرح إمكانيات هذه المنهجية. وفي الفترة الزمنية نفسها كانت أيضًا خسارتنا لهما، ومحاولة استكشاف تأثير ذلك فينا وفي من عرفنهنَّ؛ فلا بد من أنَّ للموت القريب في الزمن تأثيره، إذ حضرتا بهذا الشكل الكثيف لأننا فقدناهما منذ وقت ليس بعيدًا.

في ظل الخسارات وقصص الموت المتلاحقة من حولنا، ما يجمع النصوص في هذا الكتاب هو “الآن”؛ هذا الحاضر المربك المتناثر الذي تعيشه الكثيرات منا، حاملات معهنَّ من فقدنهنَّ/هم في رحلات طويلة ومتشعبة من النضال.
نتذكر اثنتين من النسويات اللواتي رحلن في ماضٍ/ حاضر ممتد ولكنه يبدو بعيدًا لكثرة ما حدث بعده.

ولدت إيتل عدنان في عشرينيات القرن الماضي وماتت في عشرينيات هذا القرن. عاشت ما يقارب عشرة عقود من التجارب والقصص والحياة السياسية والفنية والثقافية، في لبنان وفرنسا والولايات المتحدة. ورست بعد ترحال وتنقّل في باريس، كما اعتمدت الرسم والشعر أداتَين لها، أمَّا فكرها وخيالها، فلم يستقرّا.
نادين قصة أخرى، تبدو من عالم وزمن آخر مختلف عن ذلك الذي جاءت منه إيتل.
ولدت في التسعينيات وعاشت وماتت في لبنان، لم تغادره لأنَّ الفرصة لم تحن، ولأنَّ ابنها الذي فقدت حضانته، هنا.
تعلمت نادين في مسيرتها أدوات نضال مختلفة، أنتجتها تجربتها. تعيدنا قصص هذا الكتاب إلى التفكير في استراتيجياتنا، إن وجدت، وطرائق سعينا إلى التّغيير.
تلتقي إيتل ونادين، بالنسبة إلينا، هنا في حاضرنا اليوم وحاضر من عرفنهما.
نسترجع قصصهما في خضم انهيار تعيشه البلاد منذ ٢٠١٩ حين رحلت نادين وحصلت بعدها الانتفاضة، وخلال ٢٠٢٠ السنة التي انتشر فيها وبأ كورونا وفجّر مرفأ بيروت، وثم ٢٠٢١ رحيل إيتل واستمرار الانهيار حتى اليوم والذي نعرف أنه ما زال ممتدًّا. ونعرف أننا نراهن بعيون مختلفة ومن “مدينة منهارة” كما تكتب نارود، فهل هي نفسها بيروت التي كتبت عنها إيتل وقالت في العام ١٩٩٣: “العيش [في بيروت] هو فعل خضوع للأسوأ” أما زال هو الخضوع نفسه؟ أم أنه تغير مع كل ما مررنا به من انهيارات وأصبح “الأسوأ” أسوأ؟

لماذا أيضًا؟ لأنَّ قضايانا غير منفصلة وإن بدت كذلك. لأنَّ إحدانا لا يمكن لها أن تصل إلى حقوقها من دون الأخرى. ولأنَّ كل محاولة أو كل نضال لحقوق النساء، مهما بدا متباعدًا في الزمان أو المكان أو القضية أو المقاربة، متصل بالآخر في هذا المسار الممتد للوصول إلى تحقيق العدالة للنساء. وصوت نادين الذي لا يزال يعلو في الساحات هو امتداد لصوت إيتل في الشعر والكتابة والرسم، ولكل امرأة حاولت وتحاول وتخطئ وتجرب من جديد. هذا الامتداد يجعل إرثنا غنيًّا وثقيلًا في الوقت عينه. لذلك، علينا أن نتعلم كيف نحمله ونتخفف منه في الوقت عينه.

أتذكر كلمات ديمة في مقدمة كتاب تسعينيات نسوية: “أنّ أيّ لحظة من النشاط النسوي تحمل ماضيًا مُتعدِّدًا، وترتبط بالعديد من القضايا والأحداث المعاصرة الأخرى، وتنطوي على العديد من الاحتمالات التي تتجه نحونا ونتجه نحوها”، وأجدها ذات صلة وثيقة جدًّا هنا.

عمل نادين وإيتل النسوي وإن بدا متباعدًا جدًّا ومن أزمنة مختلفة إلّا أنه يقودنا، ليس فقط في الزمان ولكن أيضًا في المكان والجغرافيا، بين اختيار إيتل للتنقل من مكان إلى آخر وثبات نادين في بيروت لتبقى قرب ابنها؛ يبدو أنَّ ظروف المكان تحدد أيضًا مدى النضال وشكله من دون أن تحدّنا بالضرورة.

في حالة نادين، ربما، نحزن على ما كان يمكن أن يكون. نحزن على فقدانها من الساحات والحيوات ولا نعرف كيف كانت لتكمل. في حالة إيتل، نقدّر أنها عاشت سنوات طويلة أعطت فيها الكثير ولكن ذلك لا يلغي حزن الفقدان. كما يعيدنا إلى تساؤلات عن تقديرنا لها بشكل كافٍ خلال حياتها، وكيف لا تطفو أهمية الأشخاص في الذاكرة إلَّا بالموت.

فراغات التاريخ غير المكتوب لنساء في الماضي مخيفة، نحاول إعادة خلقها. نحاول أيضًا أن نكتب اليوم عن نساء عاصرناهنَّ، عشنا معهنَّ مراحل، وسياقات، وتغيرات متشابهة. نكتبها “من قرب”. نوثقها مع نساء عرفنهنَّ ” كل بطريقتها” كي لا يبقى الكثير من الفراغ في ذاكراتنا الجماعية كما الفردية. هذا الفراغ الذي نرهبه وتشعر به كل منا في قصتها الشخصية وإن بشكل غير واعٍ، هو أيضًا الفراغ الذي نخاف، إن ملأناه، من أن يكون مرآة لقصصنا نفسها تتكرر بتفاصيل مختلفة ولكن بالحمل الثقيل نفسه لهذا النظام الأبوي القامع الذي يبدو كأنه لا ينتهي.

∗∗∗

استحضار للعمل الجماعي
ولأنني لا أملك إجابات ولأنَّ كل هذه التأملات التي أطرحها هي للتفكير والتساؤل، أتركها هنا وأعود إلى مسار هذا الكتاب، وإلى من رافقنا في هذه الرحلة التي بدأت مع الباحثتين، فاطمة ونارود، في أوائل نيسان 2022. استكملنا نقاشاتنا معهما في اختيار الموضوعات والاتجاهات التي سنأخذها مع الأشخاص اللواتي سنجري معهنَّ مقابلات التاريخ النسوي. ندرك أنَّ الأشخاص اللواتي قابلتهنَّ الباحثتان كما خلفية الباحثتين نفسها، عاملان ساهما في تحديد اتجاهات الأوراق التي أُنتِجَت. وبينما نعرف أنَّ أشخاصًا أخريات من محيط نادين أو إيتل أو باحثات مختلفات كنَّ ليضفن وجهات نظر مختلفة، ندرك أنَّ هذه من جماليات التاريخ الشفوي النسوي في إفساح المجال لرؤية متعددة الأبعاد والاتجاهات؛ فلكل واحدة قصتها المختلفة مع نادين أو إيتل، وقد تتلاقى هذه القصص في أمكنة وأزمنة ما فتدهشنا تقاطعاتها، أو تختلف أو تتعارض فتوقظ فينا أسئلة واحتمالات. كما أنَّ كل باحثة تأتي محملة بتاريخها الشخصي والنسوي الذي مهما حاولت أن تحيده عن كتابتها فسيبقى حاضرًا في أسئلة مقابلات التاريخ الشفوي وتفاعلها مع الرواية. يحضر ذلك بشكل واضح في النصوص التي ستقرأونها/أنها، إذ تتفاعل كل كاتبة مع الموضوعات بشكل شخصي ومتفرد.

عملنا هذه السنة أيضًا مع مترجمات لامعات، أضفت كل منهنَّ على النّصوص روحية مختلفة: ذكّرنا العمل مع ديانا عباني وغدير سويدان ويمنى مروة بأنَّ الترجمة هي شكل من أشكال إنتاج المعرفة، من خلال تفاعل المفاهيم والقصص عبر اللغات ومستخدميها. بالتوازي كانت الدعوة للمصممين/ات إلى التقدُّم، وأجرينا المقابلات خلال شهر حزيران ٢٠٢٢، واخترنا يمان طعمة للعمل على الغلاف والتصميم الداخلي، كما عملت ريم حمّود على القسم التقني من التصميم. وفي كل مرة تكون ترجمة فِكرنا إلى عمل فني وبصري تجربة خلاقة ومرحة لنا.

مع المقابلات التي صارت جزءًا من أرشيف ورشة المعارف، أردنا أن نشارك مقاطع منها، لذلك باشرنا العمل على تفريغ المقابلات وترجمة ما كان منها بالفرنسية والإنكليزية لننشرها في الفصل الثالث من هذا الكتاب، فكان تعاوننا مع باسكال غزالي ومهاد حيدر ويمنى مروة وأريج شريم.

نشكر أيضًا رنا عيسى وريما رنتيسي على مراجعة نصوص الباحثتين، لأننا نريد دائمًا عينًا نقدية تدفع النصوص نحو إمكانيات أفضل. ونعود إلى رامي قطار في هذا الكتاب، كما في كتب ورشة المعارف السابقة، للتدقيق اللغوي، ونجده دائمًا حاضرًا لأسئلتنا اللغوية.

إنَّ الخسارة والموت، كما أوضحت ديمة في بداية هذه المقدمة، لا مهرب منهما، هما في حياة الكل، ونحن نعايشهما ونهرب ونتأقلم معهما بطرائق متعددة. لكن أيضًا البناء هو جزء من عملنا. ربما لا مهرب أيضًا من التطرُّق إلى موضوع الإرث: ماذا نترك، نحن الفاعلات بطريقة ما في المجال العام، في إنتاج المعرفة من خلال البحث في التاريخ وفي القصص المسموعة والمخفوتة. نستعمل الكتابة والتاريخ الشفوي لنسأل ونسمع ونوثّق.

عن المقابلات: ملحوظات حول اللغة والأدوات
ننشر في هذا الكتاب مقتطفات من المقابلات التي أجرتها فاطمة فؤاد ونارود سروجيان، ومعظمها مقابلات التاريخ الشفوي الَّتي تناولت طفولة الراوية وأجزاء مختلفة من حياتها، وعلاقتها بإحدى الشخصيات الرئيسة. أمَّا بعض المقابلات، فقد ركّز على الجانب المهني من علاقة الراوية بالشخصية الرئيسة.

حرّرنا المقابلات، من خلال مزج بعض المقاطع ببعضها الآخر، وحذف غيرها، لتكون أقصر وأسهل للقراءة.

حين كانت المقابلات بالإنكليزية، مثل المقابلة مع سارة مراد، ترجمناها إلى العربية (الفصحى)، مع ترك بعض الكلمات باللغة المحكية اللبنانية، كما استعملتها سارة ونارود. لكن في معظم النصوص، تركنا اللغة العامية مع تعديلات بسيطة.

كان هذا القرار التحريري ناجمًا عن حبنا للغة كما نتكلّم بها، والحفاظ على خصوصية المقابلات وأصالتها قدر الإمكان، فنسمع إحدى اللهجات الفلسطينية عند قراءة التاريخ الشفوي مع نهاية القواسمي.

إنَّ محتوى المقابلات الواردة في هذا الكتاب لا يعبّر بالضرورة عن رأي ورشة المعارف. في مجمل مشروع التاريخ الشفوي في ورشة المعارف، نهتمّ بتوثيق قصص النساء من دون رقابة، لتكون انعكاسًا لآراء وتجارب شخصية وطرائق مختلفة في التعبير والسرد، حسب كل راوية نقابلها ونسجّل قصّتها.

في الكلمات غير المألوفة:
نستعمل في اللغة المحكية والفصحى كلمة “الأفكار” كجمع لـ”الفكرة”. ولكن “الأفكار” جمع “الفِكْر”، أمّا جمعُ “الفكرة” فهو “الفِكَر” بفتح الكاف. لذلك، ارتأينا استعمال الكلمة الفصحى في جميع النصوص إلّا في نص المقابلة مع سارة مراد، كونه مقابلة مباشرة استعملت فيها اللغة المحكية.
نستعمل في اللغة العامية والفصحى أيضًا “الطُّرُق” كجمع لـ”الطّريقة”، ولكن “الطُّرُق” جمع “الطريق”، أمّا جمع “الطريقة” فهو “الطّرائق”. وقد حافظنا في بعض الجُمَل والسّياقات على كلمة “الطُّرُق”، كونها واردة بمعنى “الطّريق” لا “الطّريقة.
رغم أنَّ الجمع المُستخدَم والمألوف لكلمة “الصَّباح” في اللغة الفصحى “الصّباحات”، إلّا أننا ارتأينا استعمال الجمع الفصيح وهو “الأصباح”.

[1]شكر خاص لرزان غزاوي وجيهان بسيسو على تعليقاتهما على مسودات سابقة لهذا الجزء من المقدمة.

[2] والعبارة الأصلية لأوردي لورد هي: الشعر ليس ترفًا poetry is not a luxury.

[3] وأستمد فكرة حتمية التغيير من الكاتبة أوكتافيا باتلر وعبارة God is change (الله هو التغيير) في كتابها Parable of the Sower.

[4] تسعينيات نسوية، ورشة المعارف، 2021. https://www.alwarsha.org/blog-post/downloadfeminist90s

[5] و”الحفظ” هنا لا يشير إلى الأرشيف كمخزن ثابت، كما تقول دراسات الأرشيف الحديثة (مثل كتابات آن لورا ستولر)، إنما بمعناه المتحرّك، وللتركيز على قابليته للتناقل وللاستمرارية، من خلال الإصرار على الاستماع، والتفاعل مع سياقاته.

[6] المعلومات الواردة في هذا القسم مستمدة إلى حد كبير من كتاب “تاريخ التاريخ الشفوي”:

History of Oral History: Foundations and Methodology” (2007), edited by Thomas L. Charlton, Lois E. Myers and Rebecca Sharpless.

[7] الشهادات الشفوية هي أدوات تاريخية لنقل المعلومات، ما نشير إليه هنا هو المقاربة الخاصة بالتاريخ الشفوي واستخدام التكنولوجيا، ما دفعها قدمًا كأداة بحث.

[8] Katrina Srigley, Stacey Zembrzycki and Franca Lacovetta, Beyond Women’s Words: Feminisms and the Practices of Oral History in the Twenty-First Century (New York, NY: Routledge, 2018).

[9] Women and Memory, Documenting the Stories and Experiences of Women from a Gendered Perspective (2015).

[10] هذه ليست محاولة لجمع هذه المجموعات معًا ولا لإضفاء الطابع الرومانسي على تنظيمات ذلك الزمن ـ بينما أحدثت الحركات والفعاليات الجماهرية في ذلك الوقت تحوّلًا في المجتمع الغربي، كانت القضايا القائمة على الإقصاء العنصري/الجندري/الجنساني داخل المجموعات المختلفة حاضرة ـ وما زالت حاضرة في التنظيمات الحالية ـ في كلّ من العالم الشمالي/الغربي والجنوبي/الشرقي، بما في ذلك المجتمع اللبناني الطبقي بشكل كبير وعنيف.

[11] توثيق سير وتجارب النساء من منظور النوع: دليل إرشادي. إشراف هدى الصدّة. مؤسسة المرأة والذاكرة (2015).

[12] من بين بعض الأمثلة في المنطقة (لا للحصر): أرشيف التاريخ الشفوي لـ”مؤسسة المرأة والذاكرة” (مصر)، وأعمال “الرواة للدراسات والأبحاث” (فلسطين)، وأرشيف التاريخ الشفوي لـ”شرق” و “بدائل” (سوريا)، وأرشيف التاريخ الشفوي الفلسطيني، المكوّن من أرشيف “الجنى” و”النكبة” (فلسطين/لبنان)، وأرشيفنا الخاص في ورشة المعارف (لبنان). يضم أرشيف ورشة المعارف قصصًا عن النساء والمتحولات/ين جندريًّا من خلفيات وأماكن متعددة، وذلك للحفاظ عليها وعلى وجودها وتقديمها كشكل من أشكال المعرفة للباحثات/ين والمعلمات/ين والفنانات/ين والعاملات/ين في المجال الثقافي.

[13] من الاستطلاعات والمقابلات المنظمة التي تسعى إلى البحث عن معلومات معينة، إلى الأبحاث التي أجراها الأكاديميون والعلماء من منطلق مواقع القوة والامتيازات، يظل البحث عن المعلومات التي تعزز القاعدة سائدًا دائمًا.

[14] في العام 2021، عقدت ورشة المعارف أول ورشة عمل “منّا وفينا”. تلقت المشاركات مقدمة متعمقة عن التاريخ الشفوي النسوي، وتعمقن في أسئلة وأخلاقيات إعداد مشروع كهذا مع أشخاص مقربين ومجتمعات هنّ جزءٌ منها. في النهاية، طلب من كل مشاركة إعداد مشروع عن التاريخ الشفوي الخاص بأسرتها أو بمجتمعها. إقرأ/ي انطباعاتنا ورشة العمل الأولى هنا:

[15] Etel Adnan, The Spring Flowers Own in “The Spring Flowers Own & The Manifestation of the Voyage,” (Sausality, CA: Post-Apollo Press, 1990), 15.

[16] انظر/ي كتاب “ما تبقّى: تصورات نسوية-بيئية”، من ورشة المعارف (2022)، الفصل الرابع، “أرشيف من الأشباح”، حيث تتفاعل ريم جودي مع إيتل عدنان وفكرة الأرشيف. https://www.alwarsha.org/wp-content/uploads/2022/06/Ma-tabaqqa-%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%A8%D9%82%D9%91%D9%89.pdf

ولقراءة الفصل باللغة الإنكليزية: https://www.alwarsha.org/an-archive-of-ghosts/

[17] انظر/ي ورقة نارود سروجيان في هذا الكتاب “تجميع قصص إيتل عدنان”، ومقابلة “استجواب الحدود” التي أجرتها مع سارة مراد.